في بيت ابن معتوق الموسوي تشبيه ضمني (وهو أحد أنواع التشبيه التي يدرسها علم البيان) فقد شبه ظهور العشق عليه رغم محاولات كتمه وإخفائه بظهور الخمرة عندما توضع في إناء لطيف شفاف، وبهذا التشبيه تتجلى عبقرية ابن معتوق الشاعر المظلوم ، فقد عبر عن نحول جسده بسبب العشق دون أن يذكره!! ، معتمداً على ذكاء المتلقي الذي يلاحظ العلاقات الضمنية بين المشبه (حال الشاعر عندما يظهر العشق عليه رغم محاولات إخفائه) والمشبه به (صورة الإناء الزجاجي اللطيف المُظْهِرِ للخمرة التي يحويها)، فهي علاقات إذا ما تأملها القارئ تجلى له نمط صعب من الإيجاز لا يأتي به إلا شاعر فحل ، ففي التشبيهِ مُزَاوجةٌ بين العشق والخمرة، وبين جسده النحيل والإناء اللطيف، ليكون وجه الشبه المنتزع من هذا التصوير هو عدم استطاعة الظرف الشفاف إخفاء ما يوضع فيه ، وفي ظلال هذا التشبيه نقرأ جملة من الأحوال التي يكابدها العاشق ، فالحب هو الخمرة التي تذهب العقل، وتنسي المرء ذاته، وهو في نفس الوقت داء أكل جسده حتى صار شفافاً لا يمكن إضمار شيء فيه ، فجمع بذلك أثرين من آثار الحب (ذهاب العقل وهزال الجسد).
ورغم روعة البيت الأول إلا أن ابن معتوق جعله مقدمة لبيت عظيم، فالحال التي أوصله إليها الحب في البيت الأول كانت مقدمة للحال التي وصل إليها في البيت الثاني، وهي أعظم درجات العشق التي يمكن للعقل الإنساني تصورها، حيث يتحد العاشق بالمعشوق، وتذوب ذاته في ذاته، فيولد العاشق ولادة جديدة، فقد كان قبل هذا يستحضر صورة المعشوق في نفسه وعقله، لكنه الآن يمتزج في معشوقه امتزاجاً تاماً فلا يحتاج إلى استحضار ما هو حاضر !
درجةٌ من الحب سمعنا كبار العرفاء وشيوخ التصوف يتحدثون عنها، وأطربنا بوصفها شعراء بني عذرة ومن سار على هديهم في الحب والشعر، ولا أدري إن كانت تلك الدرجة ممكنة في الواقع الإنساني أو أنها مجرد خيال توهمه عقلٌ حالم ، ولكني أعلم بأن مثل هذه الدرجة من الحب تقضي على إنسانية الإنسان ، لأنها تقضي على كل أشكال التَّفرُّد فيه ، وتجعله مجرد تابعٍ فاقدٍ للحرية والإرادة والعقل والهوية، بمعنى أنه سيفقد كل ما ميزه الله به عن سائر المخلوقات، ولا أتصور أن الله سيطلب منا أن نتنازل عما شرفنا به لنتقرب إليه
فالله لا يريد عبيداً بلا حرية !!!
يوسف المحميد 